بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في إحدى النواحي القريبة من مدينة الموصل ، وجد عاشور لنفسه عملا ً آخر .
إتفق مع صاحب معمل برغل أن يعمل عنده . وإنحصر عمل عاشور في تشغيل ( الدنك ) وواجبه الأساسي هو حث ّ الحصان على الجري حول نفسه باستمرار ، لكي يسحب جذعا ًخشبيا ً متينا ً ، من شأنه أن يدوّر حجرا ً اسطوانيا ً كبيرا ً . ولكي يتم دق البرغل بصورة صحيحة عليه ، أيضا ً ، أن يدور خلف الحصان ، ويدفع الحنطة المسلوقة إلى تحت الحجر ، وبعدما تنفصل القشورعن الحب، تقوم زوجته جرادة بغربلة البرغل ، وتذريته في الهواء ، وبذلك ، تنعزل النخالة عن الحنطة .
وتعهد صاحب العمل بأن يدفع أجرا ً أعلى لعاشور إذا قبل َ أن ينقل الحنطة على ظهرحماره شوشو.
ورغم أن العمل كان ، في البداية ، شاقا ً ومرهقا ً ، إلا أن عاشور وجرادة سرعان ما إعتادا عليه .
قال عاشور لزوجته :" هذه فرصة جديدة للعيش .. وأنت ِ تعرفين كيف خسرنا فرص أخرى ! ".
ردّت زوجته تقول : " أجل ، يا زوجي العزيز ، لا ينبغي أن نفسد هذه الفرصة أيضا ً !" .
عمل عاشور وزوجته باخلاص وتفان ٍ ، وبدأ لهما أن كل شيء يسير على ما يرام .
واهتم عاشور بالحصان . إنه حصان رهوان ومطيع ، قلّما يحتاج المرء إلى حـثه على الجري . وألف الحصان ُ عاشور ، وأخذ ينقاد له بسهولة . وحرص عاشور على منحه وقتا ً كافيا ً للأستراحة ، وهو أثناء ذلك ، يربت ظهره ، ويمسح شعر رقبته . كان الحصان يشعر بالبهجة إزاء مداعباته ، ويتناول علفه مسرورا ً ، يصهل بين وقت وآخر،كأنه يحيّ صديقه الجديد .
ذات مرة قالت جرادة لعاشور معاتبة : " أترى الحصان أنساك أمر حمارنا شوشو ؟ " .
فردّ عليها موبخا ً : " كوني عاقلة يا جرادة .. رزقنا ورزق الآخرين معلّق بالحصان ! " .
وعلى مر الأيام إزداد عاشور تعلقا ً بالحصان ، فراح يعامله بدلال منقطع النظير . ومن شدة حبّه للحصان علّق له ودعة على ناصيته وزيّن نيره بالخرز ، وطرز عصابة عينيه بقطع معدنية براقة حتى بدا الحصان جميلا ً ،كأنه حصان مشهور من حصن سباق الخيل .
إزاء هذه المعاملة الطيبة أخذ الحصان يعمل بطاقة أقوى من السابق .
تطوّر العمل ُ وتحسن . كافأ صاحب العمل عاشور وجرادة ، وشكرهما على إخلاصهما تجاهه .
كان عاشور يعتقد بأن الفضل لا يعود إلا للحصان ، فبدونه يتوقف العمل ، ولا يمكن تحريك ( الدنك ).
وحل ّ شهر رمضان ، صام َ عاشور . في أحد أيامه إشتدّ الحر إلى درجة لا تُحتمل ، جلس عاشور ليستريح ، واستمر الحصان يدور حول ( الدنك ) . خطرت لعاشور فكرة طريفة : شهر الصيام يذّكر الأنسان بأنسانيته .. ومثلما يتعب الأنسان ، كذلك يتعب الحيوان ، الدنيا حر ، لا بدّ أن الحصان متعب . لو نزع العصابة عن عينه ، قد يشعر الحيوان بالراحة .. هل من الضروري أن تبقى عينا الحصان معصوبتين ؟ نهض عاشور . سار ببطء نحو ( الدنك ) . هتف بصوت آمر : ( هوش !) توقف الحصان في مكانه .
.. نزع العصابة عن عيني الحصان ، وهتف مجددا ً ( هووو !) انطلق الحصان يدور .
عاد عاشور ليستريح من جديد . دار الحصان بضع دورات حول ( الدنك ) ثم تسمر في مكانه . صاح به عاشور آمرا ً ( هوو..هووو !) لم يتحرك الحصان من موضعه قيد شعرة . تناول عاشور السوط بيده ، نظر الحصان بأستغراب حواليه .. احسَّ الحيوان - بدافع غريزي - أن حريته منتهكة . وجد نفسه مربوطا ً إلى كتلة صخرية مخيفة بواسطة حبال متينة .
التمعت في عينه نظرة تحد ٍ .
إقترب عاشور ملـّوحا ً له بالسوط ، صهل الحصان بجنون ، ورفس غاضبا ً .
حاول عاشور أن يهديء من روعته ، لكن الحصان إستمر في هياجه ، يرفس ويصهل ويزفر .. وفي لحظات قطّع الحبال ، وحطم الخشب ، وألقى بنيره على الأرض . وعبثا ً حاول عاشور أن يسيطر عليه ..!
ودع الحصان صديقه عاشور برفسه على بطنه ، ثم انطلق هاربا ً عبر الحقول مثيرا ً خلفه زوبعة من الغبار .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في إحدى النواحي القريبة من مدينة الموصل ، وجد عاشور لنفسه عملا ً آخر .
إتفق مع صاحب معمل برغل أن يعمل عنده . وإنحصر عمل عاشور في تشغيل ( الدنك ) وواجبه الأساسي هو حث ّ الحصان على الجري حول نفسه باستمرار ، لكي يسحب جذعا ًخشبيا ً متينا ً ، من شأنه أن يدوّر حجرا ً اسطوانيا ً كبيرا ً . ولكي يتم دق البرغل بصورة صحيحة عليه ، أيضا ً ، أن يدور خلف الحصان ، ويدفع الحنطة المسلوقة إلى تحت الحجر ، وبعدما تنفصل القشورعن الحب، تقوم زوجته جرادة بغربلة البرغل ، وتذريته في الهواء ، وبذلك ، تنعزل النخالة عن الحنطة .
وتعهد صاحب العمل بأن يدفع أجرا ً أعلى لعاشور إذا قبل َ أن ينقل الحنطة على ظهرحماره شوشو.
ورغم أن العمل كان ، في البداية ، شاقا ً ومرهقا ً ، إلا أن عاشور وجرادة سرعان ما إعتادا عليه .
قال عاشور لزوجته :" هذه فرصة جديدة للعيش .. وأنت ِ تعرفين كيف خسرنا فرص أخرى ! ".
ردّت زوجته تقول : " أجل ، يا زوجي العزيز ، لا ينبغي أن نفسد هذه الفرصة أيضا ً !" .
عمل عاشور وزوجته باخلاص وتفان ٍ ، وبدأ لهما أن كل شيء يسير على ما يرام .
واهتم عاشور بالحصان . إنه حصان رهوان ومطيع ، قلّما يحتاج المرء إلى حـثه على الجري . وألف الحصان ُ عاشور ، وأخذ ينقاد له بسهولة . وحرص عاشور على منحه وقتا ً كافيا ً للأستراحة ، وهو أثناء ذلك ، يربت ظهره ، ويمسح شعر رقبته . كان الحصان يشعر بالبهجة إزاء مداعباته ، ويتناول علفه مسرورا ً ، يصهل بين وقت وآخر،كأنه يحيّ صديقه الجديد .
ذات مرة قالت جرادة لعاشور معاتبة : " أترى الحصان أنساك أمر حمارنا شوشو ؟ " .
فردّ عليها موبخا ً : " كوني عاقلة يا جرادة .. رزقنا ورزق الآخرين معلّق بالحصان ! " .
وعلى مر الأيام إزداد عاشور تعلقا ً بالحصان ، فراح يعامله بدلال منقطع النظير . ومن شدة حبّه للحصان علّق له ودعة على ناصيته وزيّن نيره بالخرز ، وطرز عصابة عينيه بقطع معدنية براقة حتى بدا الحصان جميلا ً ،كأنه حصان مشهور من حصن سباق الخيل .
إزاء هذه المعاملة الطيبة أخذ الحصان يعمل بطاقة أقوى من السابق .
تطوّر العمل ُ وتحسن . كافأ صاحب العمل عاشور وجرادة ، وشكرهما على إخلاصهما تجاهه .
كان عاشور يعتقد بأن الفضل لا يعود إلا للحصان ، فبدونه يتوقف العمل ، ولا يمكن تحريك ( الدنك ).
وحل ّ شهر رمضان ، صام َ عاشور . في أحد أيامه إشتدّ الحر إلى درجة لا تُحتمل ، جلس عاشور ليستريح ، واستمر الحصان يدور حول ( الدنك ) . خطرت لعاشور فكرة طريفة : شهر الصيام يذّكر الأنسان بأنسانيته .. ومثلما يتعب الأنسان ، كذلك يتعب الحيوان ، الدنيا حر ، لا بدّ أن الحصان متعب . لو نزع العصابة عن عينه ، قد يشعر الحيوان بالراحة .. هل من الضروري أن تبقى عينا الحصان معصوبتين ؟ نهض عاشور . سار ببطء نحو ( الدنك ) . هتف بصوت آمر : ( هوش !) توقف الحصان في مكانه .
.. نزع العصابة عن عيني الحصان ، وهتف مجددا ً ( هووو !) انطلق الحصان يدور .
عاد عاشور ليستريح من جديد . دار الحصان بضع دورات حول ( الدنك ) ثم تسمر في مكانه . صاح به عاشور آمرا ً ( هوو..هووو !) لم يتحرك الحصان من موضعه قيد شعرة . تناول عاشور السوط بيده ، نظر الحصان بأستغراب حواليه .. احسَّ الحيوان - بدافع غريزي - أن حريته منتهكة . وجد نفسه مربوطا ً إلى كتلة صخرية مخيفة بواسطة حبال متينة .
التمعت في عينه نظرة تحد ٍ .
إقترب عاشور ملـّوحا ً له بالسوط ، صهل الحصان بجنون ، ورفس غاضبا ً .
حاول عاشور أن يهديء من روعته ، لكن الحصان إستمر في هياجه ، يرفس ويصهل ويزفر .. وفي لحظات قطّع الحبال ، وحطم الخشب ، وألقى بنيره على الأرض . وعبثا ً حاول عاشور أن يسيطر عليه ..!
ودع الحصان صديقه عاشور برفسه على بطنه ، ثم انطلق هاربا ً عبر الحقول مثيرا ً خلفه زوبعة من الغبار .