منتدى شاعرة المستقبل



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدى شاعرة المستقبل

منتدى شاعرة المستقبل

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى عام


    درس الفرزدق وجرير للسنة 1 ثانوي جدع علوم

    شاعرة المستقبل
    شاعرة المستقبل
    Admin


    عدد المساهمات : 3597
    نقاط : 30925
    السٌّمعَة : 106
    تاريخ التسجيل : 31/03/2013
    العمر : 25
    الموقع : achairameriem.ahladalil.com

    درس الفرزدق وجرير للسنة 1 ثانوي جدع علوم  Empty درس الفرزدق وجرير للسنة 1 ثانوي جدع علوم

    مُساهمة من طرف شاعرة المستقبل الثلاثاء أبريل 22, 2014 5:22 pm

    دائما ما نسمع بمقتطفات من قصص حياة جرير والفرزدق..وكثيرا ما نتعجب لطريقة تطاول أحدهما على الآخر باسلوب ساخر جميل..

    أتناول في هذه الصفحة نبذه عن حياتهما..ومختارات من قصائدهما..أتمنى أن تنال إعجابكم..


    نبدأ أولا بالشاعر العظيم


    الفرزدق





    حياته: هو همام بن غالب، كنيته أبو فراس ولقبه الفرزدق، ولقب به، لغلظة في وجهه. ولد الشاعر الفرزدق في بيت يكتنفه الشرف والسيادة من كل جانب، فأبوه غالب أحد أجواد العرب.. ولد بالبصرة، ونشا في باديتها.. كان الفرزدق متقلبا في مزاجه وعلاقاته الاجتماعية، فقد يمدح الرجل اليوم ليهجوه في يوم آخر.

    قيل إنه نظم الشعر صغيرًا.. دارت بين الفرزدق وجرير الشاعر الأموي أيضًا، حرب هجائية دامت نحو خمسين سنة، وكان لتلك الحرب الشعرية صدى واسع في البلاد، وضج بها"المربد" سوق البصرة، وانقسم الناس قسمين، كل قسم يؤيد هذا الشاعر أو ذاك.

    توفي الفرزدق بالبصرة سنة 114ه وقد شارف على التسعين.

    كان التكسب مرماه في أكثر الأحوال، فمدح ورثى وهجا، فها نحن نتوقف قليلا عند مديحه.







    شعره في المديح






    مدح الفرزدق خلفاء بني أمية على أنهم أولى الناس بتراث الخلافة، وأحق الناس بالملك، وهم كالقمر يهتدي به، وسيوفهم هي سيوف الله التي يضرب بها الأعداء، وإذا النصر حليفهم، لأن الله معهم، وإذا الهدى مشرق من وجوههم، منهم الهادون والمهديون.. وتذكر الكتب والمراجع، أن الخليفة "هشام بن عبد الملك" حج على عهد أبيه وطاف بالبيت، وحاول أن يصل إلى الحجر الأسود فلم يستطع لشدة الزحام، فنصب له كرسي وجلس عليه ينظر إلى الناس، وحوله جماعة من أهل الشام. وفيما هو كذلك أقبل"زين العابدين" فطاف بالبيت، ولما انتهى إلى الحجر انشقت له الصفوف ومكنته من استلامه، فقال رجل من الشام لهشام:

    من هذا الذي هابه الناس هذه الهيبة؟

    فقال هشام"

    لا أعرفه، وخاف أن يذكر اسمه فيرغبهم فيه.

    وكان الفرزدق حاضرًا فقال: أنا أعرفه.

    فقال الشامي: ومن هو يا أبا فراس؟، فقال قصيدته الشهيرة في مدح زين العابدين، فغضب هشام وحبسه، فهجاه الفرزدق.

    أنشد الشاعر الفرزدق قصيدة يمدح فيها"زين العابدين":



    هذا الذي تعرف البطحاء وطأته **** والبيت يعرفه والحل والحرم

    هذا ابن خير عباد الله كلهم **** هذا التقي النقي الطاهر العلم

    هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله **** بجده أنبياء الله قد ختموا

    ما قال لا قط إلا في تشهده **** لولا التشهد كانت لاءه نعم

    إذا رأته قريش قال قائلها **** إلى مكارم هذا ينتهي الكرم








    فخر الفرزدق






    الشاعر يمزج بين الفخر والهجاء، فالهجاء عنده موضوع في جو فسيح من الفخر والتبجح... أما موضوع فخره فهو في قومه ونفسه، وفخره بقومه اشد منه بنفسه، إنه أعز الناس بيتًا وأرفعهم شرفًا وأوسعهم خيرًا وكرمًا، وهم ذوو العقول التي توازي الجبال، والثبات الذي لا يزعزع..

    ولقد برع الفرزدق براعة فائقة في الفخر، ذلك لأن شرف آبائه وأجداده قد مهد له سبيل القول بالفخر، وتطاول على جرير وتحداه أن يأتيه بمثل آبائه وقومه:



    أولئك آبائي فجئني بمثلهم **** إذا جمعتنا ياجرير المجامع

    فيا عجبًا حتى كليب تسبني**** كأن أباها نهشل أو مجاشع



    كانت غاية الفرزدق في هجره الاستعلاء على جرير، فكان فخره في الغالب ممتزجًا بهجاء جرير ورهطه..

    وفي فخره بقومه يصفهم بالمكارم التي كان العرب يفاخرون بها، ككثرة العدد وحماية الجار والبأس في القتال، وشرف المنزلة، وقري الضيف، ونباهة الذكر، ورجاحة العقل. ثم يعدد آباءه ويذكر مآثر كل منهم.. حتى أن الفرزدق يستغل بعض الحوادث التي هجاه بها خصمه جرير، فيجيد الاعتذار لها ويحولها على فخر، فهو حين عجز عن قتل الأسير الرومي الذي دفع إليه قال:



    ولا نقتل الأسرى ولكن نفكهم **** إذا أثقل الأعناق حمل المغارم



    وهذه أبيات يفخر الفرزدق فيها بنفسه وبقومه، فيقول:

    إن الذي سمك السماء بنى لنا **** بيتًا دعائمه أعز وأطول

    أحلامنا تزن الجبال رزانة **** وتخالنا جنًا إذا ما نجهل

    وهب القصائد لي النوابغ إذ مضوا**** وأبو يزيد، وذو القروح، وجرول



    فالفرزدق يقول:

    إن الله أعطى قومه عزًا وشرفًا، أكثر من جرير وقومه.. فعقولنا تساوي بوزنها وتفكيرها وزن الجبال، كما أنها توازنها ثباتًا ورسوخًا، على أننا في الحروب والدفاع عن كياننا نصبح محاربين أشداء قساة فيما إذا ما حملنا أحد على الغضب.







    فكرة عن النقائض الشعرية






    ذكرنا أن المعركة الشعرية نشبت بين الفرزدق وجرير ودامت أكثر من خمسين عامًا، فالنقائض قصائد امتزج فيها الهجاء والفخر، وكثرت فيها الإشارة إلى ماضي القبائل في الجاهلية وحاضرها في عهد بني أمية، يقول الشاعر قصيدته، فيرد عليه خصمه بقصيدة من وزنها وقافيتها ويتعقب أفكاره ومعانيه، فيردها عليه..

    على أن فن النقائض نشأ أول ما نشأ في العصر الجاهلي وامتد حتى ازدهر في العصر الأموي الذي استيقظت فيه العصبية بعد أن أضعفها الإسلام، وانضمت إلى العوامل القبلية عوامل أخرى سياسية واجتماعية واقتصادية وشخصية.. فكانت نقائض هذا العصر تختلف عن نقائض العصر الجاهلي بطولها وإفحاشها واتساع الخيال فيها..

    هذا ومن المعروف أن النقائض تقوم على الهجاء، وفن الهجاء بدوره قائم على أمور ثلاثة: الأول أن يذكر الشاعر معايب خصمه ومثالب قبيلته بنفسه وبقبيلته.. والثاني تناول الأغراض وقذف المحصنات والشتائم.. والثالث تصوير الخصم بصورة ساخرة تحمل القارىء أو السامع على الضحك..








    الفرزدق شاعر الوصف






    كان الفرزدق واسع الخيال، دقيق الملاحظة، جيد القصص، مما ساعده على أن يكون من ابرع الوصافين في العهد الأموي، أما موصوفاته فكثيرة، منها ما هو منتزع من البادية كالذئب، ومنها ما هو من حياة الحضر كالسفينة والجيش.. ويصطبغ وصف الفرزدق أحيانًا بصبغة القصص الذي يحسن الشاعر سرده، كما يمتاز بالتقرب من الحيوان المفترس والعطف عليه، ففي وصفه للذئب يظهر استعدادًا لأن يلبس ذلك الوحش من ثيابه وأن يقاسمه زاده.




    فلما دنا قلت ادن دونك إنني **** وإياك في زادي لمشتر كان

    فبت أسوي الزاد بيني وبينه **** على ضوء نار مرة ودخان




    فهذان البيتان من قصيدة يصف فيها ذئبًا أتاه ليلا وهو يشتوي شاة، فدعاه أن يشاركه الطعام المشوي اللذيذ، فهو وحيد وقد عانى من عقوق الأصدقاء وبعد الأحباب، فكأن الشاعر استأنس بمجيء الضيف الذئب، او أرجح أن الفرزدق قد تخيل هذا الضيف. وهو في قلب الصحراء يشعل ناره للطعام ففضل في قصيدته هذه القصصية أن يكون ضيفه حيوانًا، عسى أن يكون وفيًا أنيسًا مخلصًا أكثر من الإنسان الغادر.. فوصف الشاعر يتناول المحسوسات أكثر من المعنويات، كما يمتاز بالدقة وحسن التصوير، فضلا عن طابع شخصي مبتكر أو جده من خلال قصصه.









    الهجاء في شعر الفرزدق






    إن ميزة الهجاء عند الفرزدق هي الفخر أولا، فالشاعر في الهجاء يعتمد على الفخر والاستناد عليه، فبالهجاء ينقض الشاعر على خصمه فيوسعه شتمًا وذلا فيصوره حقيرًا، كما يصور قومه وأهله بأنهم يتصفون بأرذل الصفات وأقبح الطباع، فهم مثلا ضعفاء متخاذلون، بخلاء لا أصل لهم ولا فرع..

    وبالمقابل فالشاعر هذا يفخر بقومه وبنفسه، كما رأينا في هجاء جرير، والذي هو فخر للفرزدق بآن واحد.

    وقال الفرزدق في الضيافة:




    ومستنبح والليل بيني وبينه **** يراعي بعينيه النجوم التواليا

    سرى إذ تفشى الليل تحمل صوته**** إلي الصبا قد ظل بالأمس طاويا

    حلفت لهم إن لم تجبه كلابنا **** لأستوقدن نارًا تجيب المناديا


    وقال يهجو" إبليس" وقد تاب في أواخر حياته:



    أطعتك يا إبليس سبعين حجة **** فلما انتهى شيي وتم تمامي

    فررت إلى ربي وأيقنت أنني **** ملاق لأيام المنون حمامي



    لاشك في أننا نلمس من هذه الأبيات للفرزدق، توبته عن ماضيه البعيد وعن مساوئه وطيشه، فهنا هو قد بلغ السبعين من عمره، حيث النهاية في الدنيا أصبحت قريبة، ولا بد من لقاء الموت الذي هو غاية كل إنسان... فهذه الأبيات تدلنا على أن الشاعر قد صقلته الأيام وهذبته الحياة، فبدا شعره صادقًا عن نفسه الزاهدة، وتقواه العميقة..

    وهكذا رأينا الفرزدق في شعره يلتزم بالديباجة المعروفة لديه، فشعره الغزلي أحيانا يخلو من هذه الديباجة، فيتجاوز قوانين النحو والبيان في كثير من الأحيان...

    ولكن شعر الفرزدق فضلا عن قيمته الأدبية، ذو قيمة تاريخية كبرى، لأنه يطلعنا على نواح كثيرة من حياته وحياة خصومه، وعلى أخبار العرب وأيامهم وعاداتهم، وأوضاع الدولة الأموية وتصرف عمالها وولاتها، وعلى الفتوحات والجيوش وغيرها.







    من مجالس الشاعر








    أخبر أبو عبيدة قال:

    قدم الفرزدق المدينة في إمارة"أبان بن عثمان" قال: فإني والفرزدق وكثير عزة لجلوس في المسجد نتناشد الأشعار، إذ طلع علينا غلام، فقصد نحونا فلم يسلم وقال: أيكم الفرزدق؟ فقلت مخافة أن يكون من قريش: أهكذا تقول لسيد العرب وشاعرها؟ فقال: لو كان كذلك لم أقل هذا له. فقال له: من أنت؟ قال: رجل من الأنصار ثم من بني النجار، ثم أنا ابن أبي بكر بن حزم، بلغني أنك نزعم أنك أشعر العرب، وقد قال شاعرنا" حسان بن ثابت" شعرًا فأردت أن أعرضه عليك، وأؤجلك سنة، فإن قلت مثله فأنت أشعر العرب كما قيل، وإلا فأنت منتحل كذاب، ثم أنشده:

    ألم تسال الربع الجديد التكلما.....

    حتى بلغ إلى قوله:



    وأبقى لنا مر الحروب ورزؤها **** سيوفًا وأدراعًا وجمعًا عرمرما



    حتى آخر القصيدة، وقال له : قد أجلتك في جوابها حولا، ثم انصرف وانصرف الفرزدق مغضبًا يسحب رداءه، وما يدري أي طريق يسلك، حتى خرج من المسجد، فأقبل على " كثير" فقال: قاتل الله الأنصاري ما أفصح لهجته وأوضح حجته وأجود شعره، قال: فلم نزل في حديث الأنصاري بقية يومنا، ثم توجهت إلى منزلي، فأخذت أصعد وأصوب في كل فن من الشعر، فأرتج علي، فكأني لم اقل شعرًا قط!؟ حتى إذا نادى المنادي بالفجر وامتطيت ناقتي أقصد جبل المدينة وبغتة صحت صيحة مدوية، فجاش صدري كما يجيش المرجل، فما قمت حتى قلت /113/بيتًا من الشعر.

    فبينما هو ينشد إذ طلع الأنصاري وسلم علينا وقال له الفرزدق:



    عزفت بأعشاش وما كنت تعزف **** وأنكرت من حدراء ما كنت تعرف

    ولج بك الهجران حتى كأنما **** ترى الموت في البيت الذي كنت تألف



    حتى بلغ إلى القول:

    ترى الناس ما سرنا يسيرون خلفنا **** وإن نحن أومأنا إلى الناس وقفوا



    وانشدها الفرزدق حتى بلغ آخرها. فقام الأنصاري كئيبًا...

    قال محمد بن إبراهيم: فأقبلت عليه أكلمه أنا وكثير، فلما أكثرنا عليه.

    قال: اذهبوا! فقد وهبتكم لهذا القرشي.

    ومرة دخل الفرزدق المدينة هاربًا من زياد، وعليها" سعيد بن العاص" أمير فقال:




    إليك فررت منك ومن زياد **** ولم أحسب دمي لكما ضلالا

    أرقت فلم أنم ليلا طويلا **** أراقب هل أرى النسرين زالا

    ترى الغر الجحاجح من قريش**** إذا ما الأمر في الحدثان غالا

    قيامًا ينظرون إلى سعيد **** كأنهم يرون به هلالا



    فلما قال هذا البيت قال الحطيئة لسعيد: هذا والله الشعر. ثم قال: يا غلام، أدركت من قبلك، وسبقت من بعدك، ولئن طال عمرك لتبرزن.








    أسلوب الفرزدق







    لم يكن للإسلام والقرآن الكريم أثرهما العميق لا في حياة الفرزدق العملية ولا في شعره، كان في حياته ماجنًا لاهيًا، لاهم له إلا السعي وراء لذائذه، وكانت طبيعته بدوية خشنة جافية، ولم تكن له نفس جرير ولا عاطفته ولا رقة حسه، فكأنما خلصت نفسه لأثر البادية وحدها، فكان أسلوبه في شعره صدى لطبيعته، وانعكاسًا لها، فاستأثرت به الجزالة والقوة وغرابة الألفاظ، وخشونتها وبداوة الصور، وغلبت هذه الطوابع على شعره عامة حتى على الغزل الذي تلائمه الرقة والعذوبة.

    وحسبنا أن نقرأ أبيات الفرزدق التي أوردناها لنقف على خشونة ألفاظه وجزالة أسلوبه ومتانة شعره وبداوة صوره...

    على أن أسلوب الفرزدق اتصف بأنه كان صورة لأساليب الفصحاء من شعراء الجاهلية في فصاحته وجزالته وغرابة ألفاظه وسعة مفرداته حتى قالوا:

    لو لا شعر الفرزدق لذهب ثلث لغة العرب.

    ورووا عن أبي عمرو بن العلاء قوله:

    لم أر بدويًا أقام في الحضر إلا فسد لسانه غير الفرزدق ورؤبة.

    ولم تكن سليقة الفرزدق الشعرية مطواعًا له، سريعة الاستجابة والانقياد كسليقتة جرير، بل كان يلقى عناء شديدًا في نظم شعره حتى رووا عنه قوله:

    أنا عند الناس أشعر الناس، وربما مرت علي ساعة ونزع ضرس أهون علي من أن أقول بيتًا واحدًا.

    وكان للفرزدق ميل إلى إطالة النظر في شعره، كما هو الأمر لدى الشاعر زهير بن أبي سلمى، إلا أن عنايته بشعره لم تحل دون الوقوع في التعقيد والخروج على قواعد النجاة في كثير من أشعاره، فإذا انتقده أرباب اللغة والنحو أجابهم:

    علي أن أقول وعليكم أن تحتجوا.

    على أنه من الإنصاف القول: إن الفرزدق لم يكن يعرف بسعة مادته اللغوية فحسب، بل عرف بسعة اطلاعه على أيام العرب وأخبارهم ووقائعها، حتى قالوا:

    لولا الفرزدق لضاع نصف أخبار الناس.

    وحسبنا أن نقرأ بعض نقائضه لنقف على معرفته الواسعة بأيام العرب ووقائعهم، حتى يكاد يكون شعره سجلا تاريخيًا لها.

    والفرزدق لئن فاتته رقة جرير وسلامة طبعه وعذوبة شعره، فقد بذ صاحبه بخصب مخيلته وقدرته على الابتكار والتوليد، ويظهر خصب خياله في افتنانه في هجاء جرير وإتيانه بالمعاني المبتكرة في ذلك، في حين نجد معاني جرير محدودة مكرورة، ولكن سهولة أسلوب جرير جعلت شعره أكثر سيرورة من شعر الفرزدق المعقد ، وظهر خصب مخيلة الفرزدق في أمر آخر، هو القصص الغزلي الذي جارى فيه قصص امرىء القيس وعمر بن أبي ربيعة.








    القيمة الفنية لشعر الفرزدق







    الفرزدق شاعر بدوي النزعة، ميال إلى الفخر والتبجح، ومن ثم كان أسلوبه بدويًا في نحت ألفاظه نحتًا، وكان شعره وقفًا على الخاصة، وإن لم يخل من الأبيات المأثورة..

    وهو يشعر أنه لا يحن النسيب الرقيق، ولهذا نراه لا يلتزم الديباجة الغزلية في كثير من قصائده، بل يهجم على موضوعه باندفاع، وهو إلى ذلك يتجاوز قوانين النحو المشهورة، كما يتجاوز قوانين البيان..

    وهذا وقد اتسم الشاعر بنفسية متناقضة نراها في نزعاته السياسية والمعنوية والأخلاقية، فهو متقلب في عاطفته وإخلاصه ومتلون في رغباته ومنافعه، لذلك لا نكاد نلمس صدق العاطفة إلا في مدح آل البيت، أما في سواهم فيعمد الشاعر إلى الغلو والمداهنة ليغطي ضعف العاطفة.



    تحياتي

    شعرالنقائض:

    النقيضة مصطلح مأخوذ في الأصلمن نقَض البناء إذا هَدَمَه ،
    قال تعالى: "ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعدقوة أنكاثا"
    وناقَضَه في الشيء مناقضةً ونِقَاضًا خالفه , والمناقضة في القول أنيتكلم بما يتناقض معناه ، وفي الشعر أن ينقض الشاعر ما قال الأول، حيث يأتي بغير ماقال خصمه , والنقيضة هي الاسم المفرد يُجمع على نقائض .
    تمثل النقائض مصطلحاًأدبياً لنمط شعري نشأ في العصر الاموي ، وهي عبارة عن معارك شعرية دارت رحاها بينعدد من الشعراء في العصر الاموي، وكان فرسانها الاخطل وجرير والفرزدق ، وكان الشاعريكتب قصيدة في هجاء خصمه، فيرد الخصم (ناقضا) هذه القصيدة بقصيدة اخرى لها نفسالوزن والقافية ، و قد تركزت النقائض في العصر الاموي على غرض الهجاء تحديدا حيثكان الشاعر لايصبر على هجاء خصمه فيجيبه بقصيدة أخرى اكثر اقذاعا وافحاشاً .
    نشأفن النقائض في العصر الأموي واشتدت المهاجاة الشعرية بين الشعراء المتهاجين فلميصمد في الميدان سوى ثلاثة من فحول الشعر هم : جرير والفرزدق والأخطل. وقد اشتهرتنقائض الفرزدق وجرير والأخطل ، وقد كان احدهم يتجه نحو خصمه بقصيدة هاجيًا ، فيعمدالآخر إلى الرد عليه بشعر مثله هاجيًا ملتزمًا البحر والقافية والرَّوِيَّ الذياختاره الشاعر الأول , ومعنى هذا أنه لابد :
    - من وحدة الموضوع فخرًا أو هجاءًأو غيرهما , ولابد
    - من وحدة البحر، فهو الشكل الذي يجمع بين النقيضتين ويجذبإليه الشاعر الثاني بعد أن يختاره الأول , ولابد كذلك
    - من وحدة الرَّوي لأنهالنهاية الموسيقية المتكررة للقصيدة الأولى، وكأن الشاعر الثاني يجاري الشاعر الأولفي ميدانه وبأسلحته نفسها.
    ونمو شعر النقائض له اسبابه الاجتماعية والعقلية وكانالناس يجدون فيه نوعا من التسلية والترويح ، اما النقائض بحد ذاتها فقد كانت تعبيراواضحا عن نمو العقل العربي ومرانه على الحوار والجدل والمناظرة .

    الأصل فيالنقائض هو المقابلة والاختلاف ؛ لأن الشاعر الثاني يجعل همّه أن يفسد على الشاعرالأول معانيه فيردها عليه إن كانت هجاء، ويزيد عليها مما يعرفه أو يخترعه، وإن كانتفخرًا كذَّبه فيها أو فسَّرها لصالحه هو، أو وضع إزاءها مفاخر لنفسه وقومه وهكذا. والمعنى هو ركيزة النقائض ومحورها الذي عليه تدور، ويتخذ عناصره من الأحساب القبلية، والأنساب والأيام والمآثر والمثالب. وليست النقائض شعرًا فحسب، بل قد تكونرَجَزًا أو تكون نثرًا كذلك. ولابد أن تتوفَّر فيها وحدة الموضوع وتقابُل المعاني،وأن تتضمن الفخر والهجاء ثم الوعيد أيضًا، وقد تجمع النقائض بين الشعر والنثر فيالوقت نفسه.
    نشأت النقائض مع نشأة الشعر، وتطورت معه وإن لم تُسمَّ به مصطلحًا. فقد كانت تسمى حينًا بالمنافرة وأخرى بالملاحاة وما إلى ذلك من أشكال النفار. وكانتفي البداية لا تلتزم إلا بنقض المعنى والمقابلة فيه، ثم صارت تلتزم بعض الفنونالعامة دون بعضها الآخر، مما جعلها لا تبلغ درجة النقيضة التامة، وإن لم تبعد عنهاكثيرًا، ولاسيَّما في جانب القافية. ولاشك أن النقائض نشأت ـ مثل أي فن من الفنون ـضعيفة مختلطة، وبمرور الزمن والتراكم المعرفي والتتبُّع للموروث الشعري، تقدَّمالفن الجدلي وأخذ يستكمل صورته الأخيرة قبيل البعثة المحمدية ، حتى قوي واكتملواتضحت أركانه وعناصره الفنية , فوصل على يد الفحول من شعراء بني أمية إلى فن مكتملالملامح تام البناء الفني ، اتخذ الصورة النهائية للنقيضة ذات العناصر المحددة التيعرفناها بشكلها التام فيما عُرف بنقائض فحول العصر الأموي وهم جرير والفرزدقوالأخطل.
    اعتمدت النقائض في صورتها الكاملة على عناصر أساسية في لغة الشعراء،منها النَّسَب الذي أصبح في بعض الظروف وعند بعض الناس من المغامز التي يُهاجِم بهاالشعراء خصومهم حين يتركون أصولهم إلى غيرها، أو يدَّعون نسبًا ليس لهم. وقد كانتالمناقضة تتخذ من النسب مادة للتحقير أو التشكيك أو نفي الشاعر عن قومه أو عدّه فيرتبة وضيعة، وكذلك كان الفخر بالأنساب وبمكانة الشاعر من قومه وقرابته من أهل الذكروالبأس والمعروف أساسًا، تدور حوله النقائض سلبًا أو إيجابًا. فاعتمد الشعراءالمناقضون على مادة النسب وجعلوها إحدى ركائز هجائهم على أعدائهم وفخرهم بأنفسهم. ومن أسباب ذلك أن المجتمع العربي على عصر بني أمية رجع مرة أخرى إلى العصبيةالقبلية التي كان عصر النبوة قد أحل محلها العصبية الدينية .
    ومنها أيضًا أيامالعرب التي اعتمدت النقائض عليها في الجاهلية والإسلام، فكان الشعراء يتَّخذون منهاموضوعًا للهجاء ويتحاورون فيه، كما صور جزء من النقائض الحياة الاجتماعية أحسنتصوير، ووصف ماجرت عليه أوضاع الناس،
    ومنها العادات المرعية والأعراف والتقاليدالتي يحافظ عليها العربي أشد المحافظة , فكانت السيادة والنجدة والكرم، وكان الحلموالوفاء والحزم من الفضائل التي يتجاذبها المتناقضون، فيدعي الشاعر لنفسه ولقومهالفضل في ذلك. وقد أصبحت النقائض سجلاً أُحصيت فيه أيام العرب ومآثرها وعاداتهاوتقاليدها في الجاهلية وفي الإسلام.
    ومن الواضح ان جريرا والفرزدق درسا تاريخالقبائل العربية في الجاهلية والاسلام وهذا ما يعد وثائق تاريخية طريفة ولم يكنالشاعر يدرس تاريخ القبائل التي يدافع عنها فحسب وانما كان يدرس ايضا تاريخ القبائلالتي يهجوها ليقف على الايام التي انهزمت فيها حتى يستطيع ان يبدع في هجائه وسرعانما وصلت النقائض الى العصر الاموي ليس في مجال المدح والهجاء فحسب وانما امتدت الىالنسب والغزل والفخر والولاء وغيره .
    بدا الهجاء بين جرير والفرزدق حين استعاناحد الشعراء من قبيلة الفرزدق به للرد على جرير فقام الفرزدق بالانتصار لصاحبه فردعليه جرير واشتعلت بينهما نار هجاء لم تنطفئ الا بموت الفرزدق وقد كان الهجاءبينهما يركز على ذم القبيلة وذم النسب وتحقير صفات الخصم , ومن قول الفرزدق فيجرير:
    ووجـدت قومك فقّؤوا مـن لـؤمهم***عينيك عنـــــد مكارم الاقوام
    صغــــــــرت دلاؤهمفما ملأوا بها***حوضــــــا ولاشهدوا عراك زحام
    فأجابه جرير :
    مهلا فرزدق إن قومك فيــــهم***خور القلوب وخفة الاحلام
    الظاعنون على العمىبجميعهم***والنازلـــــــون بشر دار مقام
    اما الاخطل فقد ارسل اليه احد اسياد قبيلة مجاشع (قبيلة الفرزدق) بألف درهموكسوة وبغلة لكي يدعم الفرزدق في حربه ضد جرير فقال قصيدة يهجو جريرا ويفضل الفرزدقعليه منها :
    أجرير إنـك والذي تسمـو لـه***كأسيفة فخرت بحدج حصـان
    تاج الملوك وفخرهم في دارم***ايام يـــــــــربوع مع الرعيان
    فأجابه جرير :
    ياذا الغباوة إن بشراً قد قضى***ألا تجوز حكومة النشوان
    فعوا الحكومة لستم منأهلهـا***إن الحكومة في بني شيبان
    واتصلالهجاء بين الاخطل وجرير وتناقلت الناس اشعارهما .


    ولابد من ملاحظة الدوافعالقبلية والشخصية لهذا التهاجي فالفرزدق ميلا لم يهج دفاعا عن القبيلة فقط بل لانهاراد منافسة جرير على زعامة تميم الشعرية , كما ان الاخطل سخط ايضا على جرير لانهمدح قبيلة قيس المعادية لبنى تغلب رهط الاخطل كما خاف الاخطل ايضا ان يزاحمه جريرعلى مكانته في بني امية .
    واستمر الحقد متصلا فعندما مات الاخطل في حياة جريرقال فيه :
    زار القبور أبو مالك***فكـــان ألأم زوارها
    كما هجا الفرزدق بعدموته فقال :
    مات الفرزدق بعدما جدّعته***ليت الفرزدق كان عاش طويلا
    ولما لامه الناسفي ذلك رثاه ببيتين من الشعر , ولم يلبث بعده ان مات بعد بضعة اشهر .


    الخاتمة:
    وفي الختامنقول ان النقائض لم تكن تمثل فقط ثأرا شخصيا بل كانت مجالا للمنافسة بين الشعراءطلبا للجوائز وشجعها الخلفاء لصرف الانتباه عن مظالمهم ورغب فيها الناس لما وجدوهفيها من تسلية وترويح ولكن خصائصها الفنية وتأريخها لماضي القبائل وايام العربالمشهورة وقوة اسلوبها ومبالغتها في الخيال جعلها تقدم للغة العربية ثروة ادبيةعظيمة وسجلا تاريخيا لكثير من الوقائع والعادات في العصر الاموي وما قبله , أمامايعيب النقائض فهو دعوتها الى العصبية القبلية وخروجها على روح الاسلام السمحةالتي تنهى عن التفاخر بالاحساب والهجاء الفاحش .


      الوقت/التاريخ الآن هو الثلاثاء مايو 07, 2024 9:38 pm